أولاً: مقدمة ومنهجية: لم يعرف تاريخ النزاعات الحديث من بعد الحرب العالمية الثانية استهدافاً للمرافق والوحدات الطبية كما فعل النظام السوري وحلفاؤه على نحو متكرر ومتعمَّد وضمن خطة مركزية شاملة، تهدف إلى إرهاب الأهالي وبثِّ الذعر والهلع لديهم؛ ما يدفعهم إلى التَّشرد والفرار، وحتى في حال لم يتمكن النظام السوري من السيطرة على المناطق التي قصف مراكزها ووحداتها الطبية فإنه يهدف إلى جعل الحياة شاقة جداً أو معدومة في المناطق الخارجة عن سيطرته، كي يرسل رسالة إلى المجتمع السوري بأن الخيار الوحيد والبديل عنه هو الهلاك الحتمي. لقد ساهم ضعف آليات الأمم المتحدة عن إلزام النظام السوري بوقف قصف المشافي والمنشآت المشمولة بالرعاية من جهة، وعجز مجلس الأمن عن التَّحرك بسبب الفيتو الروسي من جهة ثانية، وأخيراً عدم تشكل تحالف دولي مسؤول عن حماية المدنيين والمراكز الطبية والمدنية، ساهم كل ذلك في استمرار النظام السوري وحلفائه في خطته البربرية في البدء بقصف المراكز الطبية، وقد لاحظ فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان عبر ثماني سنوات أنَّ استهداف المراكز الطبية يتم بشكل مدروس عبر عمليات استخباراتية لتحديد مواقع المشافي الميدانية أو الخاصة أو حتى الوحدات الطبية المتحركة بهدف قصفها، وقد لاحظنا في كثير من المرات قصف مباني أو طرقات محيطة بالمشافي في محاولات لإصابة المشفى تحديداً، كما سجَّلنا استهدافاً لمركز طبي معين غيرَ مرة، وهذا دليل على الرغبة المتوحشة في تكرار قصف المراكز الطبية. وقد اهتمَّت الشبكة السورية لحقوق الإنسان على نحو خاص عبر السنوات الثمانية الماضية بتوثيق الانتهاكات المتعلقة بالكوادر الطبية واستهداف المنشآت الطبية عبر تقارير شهرية دورية وتقارير وأبحاث موسَّعة، وقد تبين لنا من خلال توثيق وأرشفة حوادث الاعتداءات أن قوات الحلف السوري الروسي الإيراني هي المرتكب الأبرز لهذه الانتهاكات، وبشكل رئيس بسبب استخدام سلاح الطيران؛ الأمر الذي تسبَّب في تدمير جزئي أو كلي للمراكز الطبية والمستشفيات الميدانية، والمعدات الطبية ومخازن الأدوية والمولدات الكهربائية، التي تعمل على تغذية هذه المرافق، وبالتالي في إغلاق مرافق الرعاية الصحية بشكل مؤقت أو دائم، وتضرُّر مئات الجرحى أو المصابين. منذ دخول اتفاق سوتشي حيِّز التنفيذ في 17/ أيلول/ 2018، الذي شمل منطقة إدلب لخفض التصعيد (المؤلفة من محافظة إدلب وأجزاء من محافظات حماة وحلب واللاذقية) شهدت منطقة إدلب تصعيداً عسكرياً متكرراً تناولته الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقارير عدة، وتسبَّبت هذه الحملات العسكرية في مقتل ما لا يقل عن 701 مدنياً، بينهم 201 طفلاً و131 سيدة (أنثى بالغة) على يد قوات الحلف السوري الروسي، وتشريد قرابة مليون مدني، نزح مئات الآلاف منهم غيرَ مرة. في 26/ نيسان/ 2019 شهدت المنطقة حملة عسكرية هي الأعنف منذ اتفاق سوتشي، وكنا قد أصدرنا تقريراً عن تفاصيلها وتداعياتها، وقد تسبَّبت هذه الحملة حتى 24/ أيار في مقتل ما لا يقل عن 265 مدنياً، بينهم 64 طفلاً، و50 سيدة (أنثى بالغة)، وتشريد ما لا يقل عن 195 ألف نسمة، وشمل هذا التصعيد ارتفاعاً في وتيرة عمليات الاعتداء على المراكز الحيوية المدنية وبشكل خاص المراكز الطبية؛ ما اضطرَّ إدارة معظم المراكز في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي إلى تعليق عملها، وهذا أدى بالتالي إلى عجز متزايد في تلبية متطلبات الأهالي الأساسية في تلك المناطق؛ ما أجبرهم على النزوح إلى أقصى الشمال السوري وبقاء معظمهم في العراء وفي البساتين أو خيام أولية، ولم تتمكن المنظمات الطبية العاملة من تغطية كل هذا الكم الهائل من الاحتياجات، وبشكل خاص بعد أن أوقف عدد كبير من الدول والمانحين تمويل المنظمات في الجزء الخاضع لسيطرة هيئة تحرير الشام المصنفة كجهة إرهابية.
|
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire